عن المبادرة

شهد مطلع القرن العشرين تغيرات جذرية على المشهد المعماري في سوريا، التي كانت مع نهاية الدولة العثمانية مسرح تحولات سياسية واجتماعية مستمرة، تشكّلت في خضمّها هوية وطنية وانتشر فكرٌ جديدٌ حداثيّ. رافق هذه التحولات توسع حضري للمدن السورية خارج الأسوار القديمة، فظهرت وظائف عمرانية جديدة أدت بدورها لخلق أنماط ومواد وطرق بناء معمارية جديدة، ما خلق شكلاً جديداً لممارسة المعمار ومعه شكلاً حضرياً جديداً للمدن.

بقي هذا الفصل من التاريخ الحداثي عن إنتاج الحداثة في سوريا والمنطقة فصلٌ مغفلٌ ضمن الخطاب العالمي للحداثة، وقد ترك هذا الإهمال (أو عدم الاهتمام) فجوة في الإدراك المحلي والعالمي لتاريخ المنطقة الحديث، معطّلاً إنتاج المعرفة وتحليلها النقدي. وعلى الرغم من تصاعد الخطاب المطالب بتفكيك مركزية السردية الغربية وخلق سرديات محلية بديلة مع العديد من المحاولات البحثية في هذا الصدد، إلا أن هذه المحاولات تواجه عقبات جمة في ظل غياب الأراشيف المحلية التي يمكن الانطلاق منها. 

أرشيف العمارة الحديثة في سوريا هو مبادرة لسد هذه الفجوة المعرفية أُسّست على الايمان بحق الجمهور في الوصول إلى المعرفة ودوره في سرد التاريخ المحلي، وتسعى لبناء أرشيف متاح للجميع يتحدى احتكار الأرشيفات المؤسساتية ويشجّع الجهود الجماعية في كتابة التاريخ وتوجيه الخطاب المعماري في المنطقة.

يتوفر أرشيف العمارة الحديثة في سوريا على شكل منصة رقمية ثنائية اللغة (العربية والانجليزية) تختصّ بتجربة الإنتاج المعماري في سوريا في القرن العشرين، ويشمل ذلك المشاريع المعمارية والحضرية والفنية المصممة في سوريا أو من قبل معماريين وممارسين سوريين، والوثائق المؤرشفة رقمياً عن هذه المشاريع، من الرسوم المعمارية إلى الصور القديمة والحديثة والمستندات الرسمية، وكذلك التاريخ الشفوي كما يرويه المعماريون أنفسهم أو أفراد من عائلاتهم وزملائهم. بالإضافة إلى المشاريع نهتم أيضاً بتوثيق ومشاركة قصص وحياة رواد العمارة السورية، والمؤسسات التي لعبت دوراً في تغيير الممارسة المعمارية والمشهد الحضري السوري. 

يسمح أرشيفنا الرقمي المفتوح بمشاركة المعرفة وتداولها، لنكون جزءاً من منظومة معرفية أكبر تنمّي المعرفة الجمعية من خلال شراكات وتعاونات تتجاوز الحدود الجغرافية. يمثل هذا الأرشيف دعوة مفتوحة للتحليل النقدي والسياقي، موجّهة ليس فقط إلى الباحثين والمؤسسات بل إلى الجمهور في المقام الأول، ودعوة للتقييم المستمر كي نساهم سويّة في تشكيل واقعنا العمراني.